إدارة الأزمات في المطارات- دروس من هيثرو وتحديات المطارات الأخرى

المؤلف: منيف الحربي09.30.2025
إدارة الأزمات في المطارات- دروس من هيثرو وتحديات المطارات الأخرى

لا شك أن الأزمات تشكل جزءاً لا يتجزأ من صميم العمل التشغيلي للمطارات حول العالم، وذلك نظراً للعمل الدؤوب والمتواصل على مدار الساعة وطوال أيام السنة، فمن البديهي أن تمر هذه المؤسسات بأوقات عصيبة ومراحل حرجة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأرواح وحركة الملايين من المسافرين، وسط لحظات من التوتر والترقب الشديدين، مع الالتزام بتوفير أعلى مستويات السلامة والأمن في أدق التفاصيل والإجراءات.

إن وقوع الأزمة لا يعني مطلقاً الفشل الذريع، بل هو بمثابة اختبار حقيقي لقدرة المؤسسات والأجهزة المعنية ومدى استعدادها الأمثل للتعامل الفوري والفعال مع المواقف الطارئة والمستجدة، وكيفية احتوائها بكفاءة واقتدار.

في يوم الجمعة الماضي، شهد مطار هيثرو الشهير في لندن إحدى أكبر أزماته على الإطلاق، عندما تسبب اندلاع حريق هائل في محطة الكهرباء الرئيسية بتعليق اضطراري لجميع الرحلات الجوية ليوم كامل، مما أدى إلى إلغاء ما يزيد على 1352 رحلة جوية، وهو الأمر الذي أحدث إرباكاً شديداً لما يقارب ربع مليون مسافر، وعلى الرغم من جسامة هذا الحدث الجلل، فقد أظهرت شركة الخطوط الجوية البريطانية وإدارة المطار وهيئة الطيران المدني البريطانية CAA؛ كفاءة لافتة للنظر واحترافية عالية في احتواء الموقف العصيب وكيفية التواصل الفعّال مع المسافرين ووسائل الإعلام المختلفة.. لقد قدموا بالفعل درساً قيماً ورائعاً في فن إدارة الأزمات في قطاع الطيران الحيوي.

مما لا شك فيه أن طبيعة الأزمات تختلف وتتباين اختلافاً كبيراً تبعاً للجغرافيا والتوقيت، وأيضاً حسب الموقع الجغرافي والظرف الزماني المحيط، فبعض المطارات تجد نفسها ضحية للموقع الجغرافي الذي تتواجد فيه، مثل بعض المطارات اليابانية التي تتعرض للأعاصير بشكل دوري ومنتظم، ومطارات شمال أوروبا التي تواجه عواصف ثلجية قاسية وشديدة كل عام.

على الصعيد الداخلي، يعتبر مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة مثالاً جلياً وواقعياً لتأثير الموقع الجغرافي، وذلك نتيجة ارتباطه الوثيق بموسمي الحج والعمرة وما يمكن أن يطرأ من تكدّس وازدحام شديدين، خاصةً عند مغادرة جموع الحجاج، بينما تبرز التحديات التي تواجه مطار الملك خالد الدولي بالرياض عادةً خلال الإجازة الصيفية، وتكون مرتبطة بشكل أساسي بضغط الأعداد الهائلة نتيجة الكثافة السكانية العالية التي تتميز بها العاصمة، بالإضافة إلى استمرار مشاريع التوسع والتطوير، ولا يزال المسافرون يتذكرون بعض المشكلات المؤسفة الناتجة عن أعطال سيور العفش أو توقف بعض الأنظمة الحيوية بالمطار.

تجدر الإشارة إلى أن ليست كلّ الأزمات تنجم عن ظروف متشابهة ومتكررة، بل في بعض الأحيان قد تظهر الأزمات نتيجة أحداث نادرة الحدوث وغير متوقعة على الإطلاق، كما حدث في مطلع عام 2023م في الولايات المتحدة الأمريكية، حينما تعطل «نظام إشعارات الطيارين والمراقبين الجويين» (NOTAM) بشكل مفاجئ، وهو الأمر الذي أدّى إلى إيقاف جميع الرحلات الجوية بشكل كامل حتى إصلاح العُطل الفني، وفي عام 2010م، تسبب ثوران بركان ضخم في آيسلندا في شلّ حركة الطيران في معظم مطارات أوروبا لعدة أيام متتالية، حيث ألغيت عشرات الآلاف من الرحلات الجوية، ووجد الملايين من الركاب أنفسهم عالقين في مطارات بعيدة، وتعتبر هذه الحادثة من بين الأزمات الكبرى التي كشفت عن هشاشة قطاع الطيران أمام الظواهر الطبيعية والأعطال التقنية المفاجئة، وهو الأمر الذي يؤكد بجلاء ضرورة وجود خطط للطوارئ وسيناريوهات متكاملة لإدارة الأزمات بكفاءة واقتدار.

إن إعداد خطط مُحكمة ومُعدة مسبقاً لم يعد مجرد رفاهية أو خياراً إضافياً، بل أصبح ضرورة ملحة وحتمية للتعامل الأمثل مع كافة الاحتمالات والسيناريوهات المحتملة، وكذلك لتدريب جميع الجهات المعنية على التصرف الصحيح والسريع في المواقف الطارئة، واتخاذ القرارات الحاسمة والفورية، فاستدامة كفاءة التشغيل في المطارات مرهونة بشكل كبير بالقدرة على التعلّم العميق من الأزمات المختلفة وتحويلها إلى فرص حقيقية للتطوير والتحسين المستمر.

ختاماً، لا شك أن الأزمات ستظل جزءاً لا يتجزأ من واقع المطارات، ولكن الفارق الحقيقي والجوهري يكمن في جودة الإدارة ووضوح الأدوار والمسؤوليات، وكذلك في سرعة التفاعل الإيجابي مع المتغيرات الطارئة والابتعاد عن اختلاق الأعذار الواهية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة